أخبار الآن أعلنت كل من بريطانيا وكندا في يناير الماضي عزمهما اتخاذ تدابير ضد عمالة السخرة المتمثلة في الهجمة التي تمارسها حكومة بكين ضد الإيغور، وذلك بالعمل على منع وصول البضائع التي يستخدم فيها الإيغور في العمل القسري الذي تفرضه الصين على هذه الأقلية المسلمة في إقليم شينجيانغ إلى المستهلكين البريطانيين والكنديين.
وفي سياق متصل وصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أمام النواب البريطانيين بالبرلمان ما تفعله الصين تجاه الإيغور بأنه”همجية اعتقدنا أنه تم التخلي عنها وسقطت بالماضي وهي تمارس اليوم”، مشيرا إلى “التوقيفات التعسفية وإعادة التثقيف السياسي وعمالة السخرة والتعذيب والتعقيم القسري للإيغور على نطاق واسع.
بداية كشف فضيحة عمالة السخرة من داخل بطاقة معايدة للكريسماس
فبينما كانت فلورانسا تكتب تهانيها على بطاقات المعايدة التي حصلت عليها من أحد متاجر سلسلة تيسكوز الشهيرة في بريطانيا، صدمت برسالة داخل بطاقة تحمل صورة قطة ترتدي بابا نويل إذا بعينها تقع على استغاثة فحواها” نحن سجناء أجانب في سجن شنغهاي تشينغبو بالصين، أجبرونا على العمل ضد إرادتنا، أرجوك ساعدنا وأخبر عنا منظمة حقوق الإنسان”
كما تضمنت رسالة السجين المستغيث طلبا بالبحث عن الصحفي البريطاني بيتر همفري الذي سبق وسجن بالصين هو وزوجته في نفس السجن بتهمة «اختراق الخصوصية» التي وصفها بأنها تهم زائفة، وأكد همفري وجود عمالة السخرة داخل المصانع الصينية كما أكد وجود نظام عمالة سخرة جبرية وبدون مقابل للسجناء من الإيغور والأجانب في الصين.
كان مردود ذلك الحادث أن أوقفت سلسلة المتاجر البريطانية “تسيكوز” التعامل مع المصنع الصيني لإنتاج بطاقات المعايدة، وتم التواصل مع الصحفي الذي تحدث باستفاضة ليؤكد عن وجود نظام عمالة سخرة جبرية وبدون مقابل للسجناء من الإيغور والأجانب في الصين، كما أوقفت علامة إتش آند إم التعامل مع المصانع شينجيانغ بعد أن أخبر الصحفي أنه رأى العلامة التجارية الشهيرة تلصق على الملابس التي يتم تصنيعها داخل السجن.
كيف ومتى بدأت عمالة السخرة في الصين ؟
“لقد بدأت العمالة القسرية أو ما يسمى ب “السخرة” في شمال غرب الصين فيما بين عامي 2018، 2019، و بدأنا نرى مصانع تبنى بجوار معسكرات الاعتقال التي تم بناؤها لاحتجاز المسلمين من الإيغور في شمال غرب الصين” هكذا قال البروفيسور دارين بيلر عالم الأنثروبولوجيا، بجامعة كولورادو المتخصص في سياسة الإيغور التكنولوجية ورأسمالية الدولة في المدن الصينية في آسيا الوسطى في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”
في البداية لم يكن واضحا ماذا يحدث في هذه المصانع، إلا بعد أن بدأت تظهر التقارير الإعلامية الحكومية عن نشاط المصانع الجديدة وظهور صور لعقود بين المصانع وإدارة معسكرات الاعتقال، تلك المعسكرات التي بنيت بين عامي 2016، 2017، مع الوقت بدا واضحا أنه تم نقل معظم النشاط الصناعي في مجال صناعة الملابس الى شمال غرب الصين، وهي المناطق القريبة من سكن الإيغور في اقليم شينجيانغ بالقرب من كازاخستان، وروسيا، وكان من الواضح أنهم لم يدفعوا للعمال أجرا يقترب من الحد الأدنى للأجور التي كانوا يدفعونها للعمال في مناطق اخرى مثل هونج كونج، التي يتم نقل المزيد من المصانع منها الى الشمال الغربي الآن، بل انهم في بعض الحالات لم يدفعوا أجرا من الأساس”
الإيغور بين خيارين.. إما معسكرات الاعتقال أو عمالة السخرة
عن تفاصيل حياة العاملين الإيغور الذين تستغلهم الصين في عمالة السخرة يقول دكتور بيلر ” في لقائي بإحدى العاملات في عمالة السخرة من الإيغوريات ذكرت انهم قبل ان ينقلوها من معسكر الاعتقال لى المصنع، أتى مدير المصنع إلى المعسكر واختارها لتكون ضمن العاملين بمصنعه حيث كان لديها خبرة سابقة في العمل كخياطة، لقد نقلوها من المعسكر للمصنع ليلا حيث كانوا عالقين في عنابر جماعية للنوم بمجمع سكني حول المصنع ولم يكن مسموحا لهم بمغادرته، كما تلقوا بالمصنع دروسا في السياسة واللغة، في صالات النوم المشتركة كان العمال الإيغور يتحدثون بلغتهم الخاصة ولكن الحراس كانوا يراقبونهم طوال الوقت ثم يقومون بترجمة ما يتهامسون به لمديري المصنع “، وكان وجود السيدة في معسكر الاعتقال خير ما يؤهلها لعمالة السخرة في المصنع لأنها بدت متحملة للضغوط فاذا كانت قد احتملت مشقة المعسكر فمن المؤكد أنها ستتحمل مشقة العمل القصري في المصنع وضغوط العمل به
ويضبف دكتور بيلر “لقد أخبرتني العاملة وتدعى كلوزين ألكون أنه كان جليا أننا لسنا في عمل حقيقي بل في سخرة، حيث قضت ألكون ستة أشهر بدون راتب ليجبروها بعد ذلك على توقيع عقد عمل لمدة عام براتب زهيد، وأخبروها انها إذا رفضت التوقيع فسيتم إعادتها إلى معسكر الاعتقال، وطالما لقد روجت الحكومة الصينية دعاية اعلامية تُظهر المعتقلين الإيغور داخل معسكرات الاعتقال وهم يعملون على ان ما يتعرضون له إعادة تأهيل وليس اعتقال قسري، وهذا هو أحد اكثر أنواع أعمال السخرة استغلالا
كيف تحاول الصين جاهدة محو هوية الإيغور
في مصانع عمالة السخرة بالصين ممنوع على الإيغور الصوم والصلاة والأكل الحلال
تتطور حالة المصانع الصينية التي تستخدم الإيغور في عمالة السخرة بسرعة شديدة، فبعد تمدد هذه المصانع في إقليم شينجيانغ بسرعة ملحوظة على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، أصبح نقل الإيغور من إقليمهم إلى مصانع في مناطق أخرى بعيدة داخل الصين، في محاولة لتشتيت العرق الإيغوري بعيدا عن وطنهم و هويتهم وعرقهم، بل وبعيدا عن أسرهم وأطفالهم بالشهور وأحيانا لسنوات حسب تصريح دكتور بيلر ل”أخبار الآن حيث قال “هناك العديد من الصناعات الأخرى في الصين التي تستخدم العمالة القسرية، فبين عامي 2018، 2019 تم إجبار عدد كبير من على الانتقال من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل الصين للعمل القسري في المصانع، حيث تم تهديدهم إما بالانتقال للعمل في المصانع أو الذهاب إلى معسكر الاعتقال و يعلمون ما هو المعسكر لذا فهم مجبرون على القبول بالعمل في المصانع البعيدة عن موطنهم، ومعظم العاملون في هذه المصانع آباء لأطفال ومسؤولون عن عائلات، وفي المصانع يتم فصلهم عن أبنائهم لمدة كبيرة من الوقت وهذا ما يساعد في تحقيق هدف الحكومة الصينية في فصلهم عن بعض كشعب واحد
كما أنهم عند انضمامهم لهذه المصانع لا يستطيعون ممارسة شعائر الاسلام فلا يستطيعون الصلاة ولا الصوم، ربما يستطيع معظمهم أن يحافظ على أكله من الطعام الحلال بأن يتناولون أكلا نباتيا، ولكن ممنوع عليهم طلب لحم حلال ويسمونه بهذا الاسم “حلال”، وبنظام عمالة السخرة هذا، يستطيع النظام في الصين أن يستغل إنتاجية الإيغور وجهدهم بلا مقابل، إلى جانب تدمير هويتهم الإسلامية وعرقهم الإيغوري”
، ووفقا لبيانات الحكومة الصينية فإنهم ينوون نقل ما يقرب من المليون وظيفة في مجال صناعة المنسوجات والملابس إلى مناطق الإيغور، ربما يمثل ذلك ما نسبته من 10 % إلى 11% من عمالة تصنيع الملابس في الصين ولكن مع حالة عدم الشفافية والانغلاق التي يطبقها النظام الصيني فإن النسبة عمالة السخرة قد تكون أكبر من ذلك بكثير
عمالة السخرة هي سياسة الصين الجديدة لمحو هوية الإيغور
وفي تفسيره لانتهاج الصين لسياسة استخدام الإيغور في عمالة السخرة يقول البروفيسور ريان ثوم المؤرخ في الإسلام في الصين وشؤون الإيغور بجامعة مانشستر في تصريحاته ل”أخبار الآن”: إن السياسات الصينية المدعومة بالتهديد بالاعتقال في معسكرات الإيغور هي عبارة عن سلسلة من الاستراتيجيات المختلفة التي تهدف إلى إبعاد الإيغور عن هويتهم و أنشطتهم الاقتصادية التقليدية مثل الزراعة والرعي والانتقال إلى المزيد من الأنشطة الصناعية كالعمل في صناعة النسيج أو غيرها من الصناعات المعتمدة على المحاصيل المدرة للمال، والتي تحتاج إلى مئات الآلاف من الأيدي العاملة وربما الملايين منها.”
ويضيف دكتور ثوم “لقد تم نقل ما يقرب من مليون شخص من الإيغور ودمجهم في أعمال لم يكونوا يعلمون عنها شيئا من قبل، حتى في معسكرات الاعتقال نفسها كان يتم استغلالهم اقتصاديا، ونحن نعلم أن الناس مجبرون على العمل القسري بالمصانع والجديد الآن أن باتت هناك معسكرات اعتقال خارج جدران المعتقل تحت ما يسمى بالمصانع المجاورة للمعتقلات حيث يتم تعيين الأشخاص من الإيغور في العمل بقرار فوري دون أخذ رأيهم وهو ما يمثل المعنى الحرفي للعمل في السخرة.”
أكثر من مليون إيغوري تم دمجهم في نظام عمالة السخرة
وعن حجم عمالة السخرة بين صفوف الإيغور المستغلين في الاقتصاد الصيني يقول دكتور ثوم ل”أخبار الآن”: “هناك ما لا يقل عن 80،000 من الإيغور تم نقلهم إلى مناطق مختلفة داخل الصين للعمل في المصانع هناك، كما أن ما لا يقل عن 570 ألف إيغوري تم إرسالهم من قبل الحكومة للعمل الموسمي في جني القطن بجانب أنواع أخرى من الأعمال الزراعية على سبيل المثال حصاد الطماطم، وربما يزيد عددهم عن مليون شخص من الإيغور مدمجين في هذه البرامج الحكومية لتغيير نمط عملهم الذي ظلوا يعملون به طوال حياتهم ويتوارثوه عن أجدادهم وهو الرعي والزراعة
ويضيف دكتور ثوم ” إن معظم دول العالم حرمت العمل القسري أو ما يطلق عليه عمالة السخرة، ودول عديدة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منعت استيراد المنتجات التي ثبت استخدام عمالة السخرة بها وهو ما جعل بعض الشركات العملاقة تقطع العلاقات مع مصادر البضائع الصينية، بعضهم قال اننا سوف نتوقف عن استيراد الملابس من شينجيانغ حيث يعمل الإيغور بنظام السخرة، ولكنهم لا يعلمون أن الإيغور يتم نقلهم الى مصانع عديدة داخل الصين ولا يقتصر وجود العمل بنظام السخرة على شينجيانغ فقط
إن الكثير من الشركات الكبرى والعديد من الدول لازالوا لا يعلمون أن نظام العمل بالسخرة قد توسع في الأعوام الثلاثة الأخيرة في الصين ليضم ما يزيد عن المليون إيغوري ،في أنحاء متفرقة من الصين وفي صناعات متعددة على رأسها صناعة المنسوجات والملابس، لم تعد عمالة السخرة في الصين حكرا على إقليم شينجيانغ أو على صناعات بعينها، فالنظام الصيني مستمر في توسيع هذه السياسة في أنحاء الصين وعلى كل الصناعات ليحقق أعلى أرباح من استغلال الإيغور في عمل بلا أجر والقضاء في القوت ذاته على كل ما يربطهم بثقافتهم وتراثهم وعرقهم ، ومازالت الصين هي المصدر الأول للعديد من المنتجات المصنوعة بدماء الإيغور لدول كثيرة في العالم.